فصل: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{هو} مبتدأ، وهو ضمير موفوع منفصل للغائب المذكر، والمشهور تخفيفُ واوه وفتحها، وقد تشدد؛ كقوله: الطويل:
وَإِنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا ** وَهُوَ عَلَى مَنْ صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ

وقد تسكن، وقد تحذف كقوله: الطويل:
فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ

والموصول بعده خبر عنه.
و{لكم} متعلّق ب {خلق} ومعناها السَّببية، أي: لأجلكم، وقيل: للملك والإباحة، فيكون تميكًا خاصًا بما ينتفع به.
وقيل: للاختصاص، و{ما} موصولة، و{في الأرض} صلتها، وهي في محلّ نصب مفعول به، و{جميعًا} حال من المفعول بمعنى كلّ، ولا دلالة لها على الاجتماع في الزَّمَان، وهذا هو الفَارِقُ بين قولك: جَاءُوا جميعًا وجاءوا معًا فإنّ مع تقتضى المُصَاحبة في الزمان، بخلاف جميع قيل: وهي- هُنَا- حال مؤكدة، لأن قوله: {مَا فِي الأَرْضِ} عام.
قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتَ}.
أصل {ثم} أن تقتضي تراخيًا زمانيًا، ولا زمان هنا، فقيل: إشارة إلى التراخي بين رُتْبَتَيْ خلق الأرض والسماء.
وقيل: لما كان بين خلق الأرض والسماء أعمال أُخَر من جعل الجِبَال والبَرَكة، وتقدير الأقوات، كما أشار إليه في الآية الأخرى عطف ب {ثم}؛ إذ بين خلق الأرض والاستواء إلى السماء تراخ.
و{استوى} معناه لغة: استقام واعتدل، من استوى العُودُ.
وقيل: علا وارتفع؛ قال الشاعر: الطويل:
فأَوْرَدْتُهُمْ مَاءً بِفَيْفَاءَ قَفْرَةٍ ** وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ اليَمَانِيُّ فَاسْتَوَى

وقال تعالى: {فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك} [المؤمنون: 28].
ومعناه هنا: قصد وعمل.
وفاعل {اسْتَوَى} ضمير يعود على الله.
وقيل: يعود على الدُّخَان نقله ابن عطية.
وهو غلط لوجهين:
أحدهما: عدم ما يدلّ عليه.
والثاني: أنه يرده قوله تعالى: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11].
و{إلى} حرف انتهاء على بَابها.
وقيل: هي بمعنى على؛ فتكون في المَعْنَى كقول الشاعر: الرجز:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ** مَنْ غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْرَاقِ

ومثله قول الآخر: الطويل:
فَلَمَّاَعَلَوْنَا وَاسْتَوَيْنَا عَلَيْهِمُ ** تَرَكْنَاهُمُ صَرْعَى لِنَسْرٍ وَكَاسِرِ

وقيل: ثَمَّ مضاف محذوفٌ ضميره هو الفاعل، أي: استوى أمره، و{إلَى السَّمَاءِ} متعلّق ب {اسْتَوَى} والضمير في {فَسَوَّاهُنّ} يعود على السَّمَاء، إما لأنها جمع سماوة كما تقدم، وإما لأنها اسم جنس يطلق على الجمع.
وقال الزمخشري: هُنَّ ضمير مبهم، و{سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} تفسيره، كقولهم: رُبَّهُ رَجُلًا، وقد رد عليه بأنه ليس من المواضع التي يفسر فيها الضمير بما بعده؛ لأن النحويين حصروا ذلك في سبع مواضع:
ضمير الشأن، والمجرور برب، والمرفوع بنعم وبئس، وما جرى مجراهما، وبأول المتنازعين، والمفسر بخبره، وبالمُبْدَل منه.
ثم قال هذا المعترض: إلا أن يتخيل فيه أن يكون {سَبْعَ سَمَاواتٍ} بدلًا، وهو الذي يقتضيه تشبيهه برُبُّهُ رَجَلًا فإنه ضمير مبهم ليس عائدًا على شيء قبله، لكن هذا يضعف بكون التقدير يجعله غير مرتبطٍ بما قبله ارتباطًا كليًا، فيكون أخبرنا بإخبارين:
أحدهما: أنه استوى إلى السماء.
والثاني: أنه سوى سبع سماوات.
وظاهر الكلام أن الذي استوى إليه هو المستوي بعينه.
ومعنى تسويتهنّ: تعديل خلقهن، وإخلاؤه من العِوَجِ، والفُطُور وإتمام خَلْقهن.
قوله: {سَبْعَ سَمَواتٍ} في نصبه خمسة أوجه:
أحسنها: أنه بدلٌ من الضمير في {فَسَوَّاهُنَّ} العائد على {السَّمَاءِ} كقولك، أخوك مررت به زيد.
الثاني: أنه بدل من الضمير أيضًا، ولكن هذا الضمير يفسره ما بعده، وهذا يضعف بما ضعف به قول الزمخشري المتقدّم.
الثالث: أنه مفعول به، والأصل، فسوَّى منهن سَبْعَ سموات، وشبهوه بقوله تعالى: {واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا} [الأعراف: 155] أي: من قومه قاله أبو البقاء وغيره، وهذا ضعيف لوجهين:
أحدهما: بالنسبة إلى اللفظ.
والثاني: بالنسبة إلى المعنى.
أما الأول فلأنه ليس من الأفعال المتعدية لاثنين.
أحدهما: بإسقاط الخافض؛ لأنها محصورة في أمر واختار وأخواتها.
الثاني: أنه يقتضي أن يكون ثَمَّ سماوات كثيرة، سوى من جملتها سبعًا، وليس كذلك.
الرابع: أن سوى بمعنى صَيَّر فيتعدّى لاثنين، فيكون {سَبْعَ} مفعولًا ثانيًا، وهذا لم يثبت أيضًا، أعني جعل سَوَّى مثل صَيَّرَ.
و{السماء} تكون جمعًا لسماوة في قول الأخفش، وسماءة في قول الزّجاج، وجمع الجمع سَمَاوات وسماءات، فجاء سِوَاهن إما على أن {السّماء} جمع، وإما على أنها مفرد اسم جنس، وقد تقدّم الكلام على السَّماء في قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السماء} [البقرة: 19].
قوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} {هو} مبتدأ، و{عليم} خبره، والجار قبله يتعلّق به.
واعلم أنه يجوز تسكين هاء {هُو} وهي بَعْدَ الواو والفاء ولام الابتداء وثُمّ؛ نحو: {فَهِيَ كالحجارة} [البقرة: 74] {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة} [القصص: 61] {لَهُوَ الغني} [الحج: 64] {لَهِيَ الحيوان} [العنكبوت: 64] وقرأ بها الكسائي وقالون عن نافع، تشبيهًا لهُو بعَضُد ول هِي بكَتِف، فكما يجوز تسكين عين عَضُد وكَتِف يجوز تسكين هاء هُوَ، وهِي بعد الأحرف المذكورة؛ إجراءً للمنفصل مجرى المتّصل، لكثرة دورها معها، وقد تسكن بعد كاف الجر؛ كقوله: الطويل:
فَقُلْتُ لَهُمْ مَا هُنَّ كَهِيَ فَكَيْفَ لِي ** سُلُوٌّ وَلاَ أَنْفَكُّ صَبًّا مُتَيَّمَا

وبعد همزة الاستفهام؛ كقوله: البسيط:
فَقُمْتُ للطَّيْفِ مُرتاعًا فَأَرَّقَنِي ** فَقُلْت أَهِيَ سَرَتْ أمْ سَرَت أَمْ عَادِنِي حُلُمُ

وبعد {لكن} في قراءة ابن حَمْدُون: {لَّكِنَّ هُوَ الله رَبِّي} [الكهف: 38] وكذا في قوله: {يُمِلَّ هُوَ} [البقرة: 282]. اهـ.

.من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية:

بحث بقلم الدكتور: زغلول النجار.
{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم}.
أجمل القرآن الكريم خلق السماوات والأرض في ثلاثة مواضع، يقول فيها ربنا تبارك وتعالى:
(1) {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} [الذاريات: 47].
(2) {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [الأنبياء: 30].
(3) {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم} [فصلت: 9- 12].
وقد ثبت علميا منذ الثلث الأول للقرن العشرين، أن من صفات الكون الذي نحيا فيه، أنه كون دائم الاتساع إلي ما شاء الله، بمعني أن المجرات فيه تتباعد عن مجرتنا وعن بعضها البعض بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء.
كذلك ثبت أن هذا الكون الشاسع الاتساع، الدقيق البناء، المحكم الحركة، والمنضبط في كل أمر من أموره، قد بدأ خلقه من جرم واحد متناه في ضآلة الحجم إلي مايقرب الصفر أي العدم، ومتناه في تعاظم كثافته ودرجة حرارته إلي حد تتوقف عنده جميع القوانين الفيزيائية، كما تتلاشي كل أبعاد المكان والزمان، وأن من هذه النقطة المتناهية في الضآلة بدأ خلق الكون بالأمر الإلهي كن في عملية أطلق عليها كل من علماء الفلك والفيزياء الفلكية اسم الانفجار الكوني العظيم.
وقد أدي هذا الانفجار الكوني الي غلالة من الدخان الذي خلق منه كل من الأرض والسماء وما بينهما.

.السماوات والأرض في القرآن الكريم:

وردت لفظة السماء بالإفراد والجمع في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة (310) مواضع، منها مائة وعشرون (120) مرة بالإفراد، ومائة وتسعون (190) مرة بالجمع، وتعبير السماء مستمد من السمو أي الارتفاع والعلو، ولذا قالت العرب: كل ما علاك فأظلك فهو سماء.
كذلك وردت لفظة الأرض بمشتقاتها في كتاب الله تعالى في أربعمائة وإحدي وستين (461) موضعا.
وفي الغالبية الساحقة من تلك المواضع، نجد أن لفظة السماء بالجمع أو بالمفرد قد ذكرت قبل الأرض، وفي عدد قليل من الآيات قد جاء ذكر الأرض قبل السماء، من مثل قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم} (البقرة: 29).
وقوله عز من قائل: {الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء} [البقرة: 22].
وقوله سبحانه وتعالى: {تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلي الرحمن علي العرش استوي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثري} [طه: 4- 6].
وقوله سبحانه: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين} إلي أن قال عز من قائل: {ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 9- 11].

.المجموعة الشمسية من نماذج نجوم السماء:

وقد احتار العلماء والمفسرون في تحديد أيهما كان الأسبق بالخلق، الأرض أم السماوات؟ أم أنهما قد خلقا في وقت واحد؟ وينسون أن الزمن من خلق الله، وأن القبلية والبعدية اصطلاحات بشرية، لا مدلول لها بالقياس إلي الله تعالى، الذي لا يحده الزمان ولا المكان.
ففي تفسير الآية رقم (29) من سورة البقرة، رأي العديد من المفسرين أن معناها أن الله تعالى قد خلق جميع النعم الموجودة في الأرض لمنفعة الناس، ثم توجهت إرادته تعالى إلي السماء فجعل منها سبع سماوات، وهو تعالى محيط بكل شيء، عالم بتفاصيله.
والاستواء الإلهي رمز للسيطرة الكلية، والقصد بإرادة الخلق، والتكوين، والتسوية للكون بأرضه وسمائه، وهو تعالى خالق هذا الكون ومدبره، ربه ومليكه، ويأتي ذلك في معرض الاستنكار والاستهجان لكفر الكافرين من الناس بالخالق، المبدع، المهيمن، المسيطر علي الكون، الذي سخر لهم الأرض بكل مافيها، وسخر لهم السماوات بما يحفظ الحياة علي الأرض ويجعلها ممكنة لهم.
وقال ابن جزي في كتابه المعنون التسهيل في علوم التنزيل الجزء الأول ص 43 ما نصه: وهذه الآية: {خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء} تقتضي أنه سبحانه خلق السماء بعد الأرض، وقوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} ظاهره خلاف ذلك، والجواب من وجهين: أحدهما أن الأرض خلقت قبل السماء، ودحيت بعد ذلك، فلا تعارض، والآخر تكون ثم لترتيب الأخبار.
وقال ابن كثير:... والاستواء هنا يتضمن معني القصد والإقبال لأنه عدي بإلي، فسواهن أي فخلق السماء سبعا، والسماء هنا اسم جنس، فلهذا قال: {فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم} أي وعلمه محيط بجميع ما خلق.
ففي هذا دلالة علي أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعا....، وقد صرح المفسرون بذلك كما سنذكره، فأما قوله تعالى: {أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها} فقد قيل: إن ثم هنا إنما هي لعطف الخبر علي الخبر، لا لعطف الفعل علي الفعل... وأضاف ابن كثير يرحمه الله: وقيل إن الدحي كان بعد خلق السماوات والأرض رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما.
وقال مجاهد في قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} قال: خلق الله الأرض قبل السماء.... فهذه وهذه دالتان علي أن الأرض خلقت قبل السماء، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض، وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها} قالوا: فذكر خلق السماء قبل الأرض، وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه، فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء، وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء، وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديما وحديثا....
وقال عدد من المفسرين المحدثين إن لفظ خلق في هذه الآية الكريمة رقم (29) من سورة البقرة يعني التقدير دون الإيجاد، بمعني أن جميع مكونات الأرض من نوي العناصر كانت جاهزة في الدخان الكوني الناتج عن عملية فتق الرتق الانفجار العظيم، ولو أن كوكب الأرض لم يكن قد تم تشكيله بعد، ثم توجهت إرادة الله إلي السماء وهي دخان فخلق منها سبع سماوات كما خلق الأرض، ويتضح ذلك من قوله تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم} [فصلت: 9- 12].
ويستنتج من هذه الآيات الكريمة، أن الأرض قد خلقت من السماء الدخانية علي مراحل أربع متتالية، بينما تم تشكيل السماء الدخانية علي هيئة سبع سماوات علي مرحلتين، وتم دحو الأرض بمعني تكوين كل من أغلفتها الغازية، والمائية، والصخرية بعد ذلك استنادا إلي قوله تعالى: {أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم} [النازعات: 27- 33].
وهذه الآيات الكريمة جاءت في مقام الاحتجاج علي منكري البعث، فيسألهم ربنا تبارك وتعالى هل خلقكم أكبر من خلق السماء التي بنيناها بهذه السعة المبهرة، والنظام الدقيق، والانضباط في الحركة، والإحكام في العلاقات، والارتباط بتلك القوي الخفية، والإشعاعات غير المرئية التي تتحرك كأمر كوني واحد، بسرعات كونية عظمي لتربط بلايين النجوم والكواكب والكويكبات والأقمار والمذنبات في داخل المجرات، كما تربط مئات البلايين من المجرات مع بعضها البعض في ركن من السماء الدنيا التي لا يستطيع العلم إدراك أبعادها، ولا تحقيق ما فوقها.
وأما قوله تعالى: {رفع سمكها} فمعناه جعل ارتفاعها عظيما، إشارة الي المسافات الفلكية المذهلة، التي تقدر بعشرات البلايين من السنين الضوئية.
وقوله تبارك وتعالى: {أغطش ليلها وأخرج ضحاها} أي أظلم ليلها، وجعله حالك السواد، وأخرج ضحاها أي أنار نهارها، بخلق النجوم مثل شمسنا وسط ظلام السماء الحالك، فأرسلت بضيائها الي أرضنا في وضح النهار فقامت هباءات الغبار، وبخار الماء في الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض بتشتيت ضوء الشمس، وإظهاره بهيئة النور الأبيض الذي نراه في نهار الأرض.
وبعد ذلك تذكر الآيات الكريمة أنه قد تم دحو الأرض، الابتدائية إلي شكلها الحالي بأغلفتها المختلفة، والدحو لغة هو المد والبسط والإلقاء، وهو كناية عن الثورانات البركانية العنيفة التي أخرج بها ربنا تبارك وتعالى من جوف الأرض كل غلافها الغازي والمائي والصخري.
وهذه كلها مراحل متتالية في تهيئة الأرض لاستقبال الحياة، وقد تمت بعد بناء السماوات السبع من الدخان الكوني الناتج عن عملية فتق الرتق الانفجار الكوني العظيم.